فصل: مسألة يدفع إليه السلطان مال الغلام المولى عليه فيحسن حاله فيدفعه إليه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة أوصى عند موته بعتق مكاتبه وأن يكاتب غلام له آخر فلم يحمل ذلك الثلث:

قال ابن القاسم: وسمعتُ مالكا قال فيمن أوصى عند موته بعتق مكاتبه وأن يُكَاتَبَ غلامٌ له آخر فلم يحمل ذلك الثلثُ: إنه يبدأ بالمكاتب الذي اعتق؛ لأنه عجل له العتق ولأنه لا يدري أتتم كتابة الآخر وعتقه أم لا.
قال محمد بن رشد: هذا بين صحيح على معنى ما في المدونة وغيرها من أن الثلث إذا ضاق عن الوصايا يبدأ الأوْكَدُ فالآكد منها فإن استوت في التأكيد حوص فيما بينها وبالله التوفيق.

.مسألة الربح للأيتام والضمان عليهم:

ومن كتاب قطع الشجر:
قال مالك في الذي يوصي إلى رجل بولده ويترك ثلاثمائة دينار ويأمر الوصي أن ينظر لهم فيها، فيتجر لهم فيها الوصي فتصير ستمائة دينار، ثم يأتي دين على الميت ألفُ دينار، أترى أن تدخل الستمائة دينار كلها في الدين؟ وذلك أن الستمائة دينار لو أنفقها الوصيُ على الورثة لم يضمنها الوصي له، ولم يضمنها له الورثةُ المُوَلّى عليهم، ولو كان الورثة كبارا كلهم لا يولي عليهم وليس مثلهم يولي عليهم باعوا مالَ الميت ثم تَجِرُوا بما نَضّ في أيديهم من المال لم يكن عليهم إلا ما كان نض في أيديهم، ولهم نماؤُه وعليهم نقصانه، وكذلك ما غابوا عليه من العين، وأما الحيوان الذي ورثوه ثم نما أو تلف فإنه ليس عليهم ضمان ما مات من ذلك إذا مات بأيديهم.
قال ابن القاسم: أخبرني بهذه المسألة من أثق به عن مالك، ولم اسمعها أنا من مالك.
قال محمد بن رشد: المخزومي يرى الربح للأيتام والضمان عليهم وسواء كان الذي ترك المُتوفي ناضا أو عروضا فباعها الوصي وتجز فيها للأيتام، وفرّق ابنُ الماجشون بين العين والعروض، فقال في العين كقول ابن القاسم، وقال في العروض كقول المخزومي، والاختلاف في هذا مَبني على اختلافهم في الدين الطارئ على الميت هل هو متعين في عَيْنِ التركة أو واجب في ذمة الميت، وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في هذا الرسم بعينه من هذا السماع من كتاب المديان والتفليس لتكرر المسألة هناك فاكتفينا بذلك عن إعادتها هنا مرة أخرى والله الموفق.

.مسألة يدفع إليه السلطان مال الغلام المولى عليه فيحسن حاله فيدفعه إليه:

ومن كتاب أوله سلعة سماها:
وسئل عن الرجل يدفع إليه السلطان مال الغلام المولى عليه فيحسن حاله فيدفعه إليه أترى أن ذلك بمنزلة الوصي إذا رأى من حال وليه ما يرضيه فيدفعه إليه؟ قال: إن ذلك عندي لخفيف، أما كل من يَبِينُ أمرُهُ في سِنِّهِ وفضله فلا أرى عليه شيئا، وأراه يشبه الوصي في ذلك، وأما كل من كان فيه شك فلا أراه مثله وكأنه يراه ها هنا ضامنا إلّا أن يكون ممن لا يشك فيه فلا يرى عليه شيئا فأراه مثل الموصي.
قال محمد بن رشد: ظاهرُ هذه الرواية أن الموصى من قبل الأب يجوز إطلاقُه مَن إلى نظره من الوِلَاية، وُيصَدَّق فيما يذكر من حاله، وإن لم يعرف ذلك إلا من قوله، وقد قيل: إن إطلاقه لا يجوز إلّا أن يتبين حالُهُ ويعلم رشده، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم في رسم الكراء والأقضية من سماعه بعد هذا من هذا الكتاب. وأما الوصي من قبل القاضي فقيل: إنه يجوز إطلاقه إذا تبين حاله وعلمِ رشده، وهو ظاهر هذه الرواية، فإذا عَقَدَ له بذلك عَقْدا ضمنه معرفة شهد آيَةَ لرشده، وقيل: إنه لا يجوز إطلاقُهُ بحال، وإلى هذا ذهب ابن زرب وهو دليل قول ابن القاسم في سماع أصبغ؛ لأنه إذا لم يجر ذلك للوصي من قبل الأب حتى يتبين حاله، فالوصي من قبل السلطان لا يجوز له ذلك بحال، إذْ هو أضعف حَالا، وقد قيل: إن إطلاق وصي القاضي من إلى نظره جائز بغير إذن القاضي وإن لم يُعرف ذلك إلّا بقوله، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول أنفقوا على فلان ما عاش فيغرق له مال فيموت:

وسئل: عن رجل قال: أنفقوا على فلان عشر سنين فعزلت نفقة عشر سنين ثم أنفق عليه فهلك بعد سنتين أو ثلاثة لمن ترى بقية ما بقي مما عزل؟ قال: أراه لورثة المُوصِي وليس لورثة الذي أوصى له منه شيء، وإنما هذا عندي بمنزلة من يقول: أنفقوا على فلان ما عَاشَ فيُعْزَق له مالٌ فيموت فيرجع ذلك لورثة الذي أوصى، فهذا مثله.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا أوصى أن يُنْفق عليه عشر سنين فعزلت نفقته العشر سنين فهلك بعد سنة أو سنتين إنَّ ما بقي يكون لورثة الموصي؛ لأن المعنى فيما أوصى به أن يُنفق عليه عشر سنين إن هو عاش إليها، وذلك بخلاف لو أوصى له بخدمة عبد عشر سنين أو بسكنى دار عشر سنين هذا إن مات المخدَم أو المُسْكَن قبل تمام العشر سنين كان لورثته ما بقي من السنين في الِإخدام والسكنى على ما قاله في المدونة وغيرها، ولو أوصى أن يقام بإخدَامِهِ أو بإسكانه عشر سنين من غير تعيين لكان ذلك كالنفقة يرجع ما بقي منها إن مات قبل تمام السنين لورثة الموصي، وهذا إذا حَمَلَ الثلثُ نفقةَ العشر سنين أو لم يحملها فأجاز ذلك الورثة وقطعوا له بالثلث في نفقة العشر سنين فيكون ذلك بتلا لا يرجع شيء منه إلى ورثة الموصي على ما يأتي في رسم العارية من سماع عيسى، وكذلك إن كان مع هذه النفقة أهلُ وصايا فيُحَاصُّوا معها يكون ما صار للنفقة بالمحاصة بتلا للموصي له بها إن مات قبل أن يستنفذوه كان لورثته على ما في رسم العادية، وفي ذلك اختلاف سيأتي في غير ما موضع من الكتاب، من ذلك ما وقع في أول رسم الأقضية الثانيِ من سماع أشهب وفي آخر الرسم الأول من سماع أصبغ وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي بالوصية ويكتب فيها إن مات من مرضه هذا ثم يصح:

وسئل: عن الذي يوصي بالوصية ويكتب فيها إن مات في سفره هذا أو من مرضه هذا ثم صح فتركها على حالها ثم يموت بعد ذلك، قال: إن وضعها على يدي رجل رأيتُ ذلك مجزيا عنه، فقلت: أفرأيت إن كانت في سنة؟ فكأنه أنكر ذلك ورأيته فيما أرى يرى ذلك جائزا إذا كانت عنده وإن أشهد عليها إلّا أن يضعها على يدي رجل، فقلت له: إنه قد أشهد عليها وهي عنده موضوعة، فقال لي: كَيْفَ ذَا يضعها عنده ويجوز؟ قال: لا، كأنه يقول: لا أرى ذلك قال سحنون: جيدة من قوله، وقد قال مالك في غير هذا الكتاب من كتاب باع غلاما بعشرين دينارا.
قال ابن القاسم: وسمعتُ مالكا يقول في الرجل يوصي بالوصية في مرضه أو عند سفره فيقول: إن أصابني في سفري هذا أو في مرضي هذا موت فجاريتي حرة ويوصي بوصايا، ثم يصح من ذلك المرض أو يقدم من ذلك السفر ثم يمكث حينا ثم يمرض فيموت فتوجد تلك الوصية بعينها ولم يُذْكَرْ لها ذُكْرٌ عند مَوْته ولا تغير ولا إجازة.
قال مالك: أراها جائزة.
قال سحنون: قول مالك في المسألة الأولى أجود، ولا يجوز إلا أن يكون أخرجها من يده وجعلها عند غيره وإلّا لم تجز.
قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من هذا السماع فلا معنى لإعادتْه وبالله التوفيق.

.مسألة قال لموالي مائة دينار في وصيته أيدخل معهم موالي أبيه وأخيه:

وسئل: عن رجل قال: لمَوَالِي مائةُ دينار في وصيته أترى أن يدخل معهم موالي أبيه وأخيه؟ قال: إِنهم لموالي وما في ذلك أمر بين إلّا ما يستدل به عليه من كلامه، وما يرى أنه أراد به الموصي من ذلك، قال أصبغ: هذا إذا كان وَلَاؤهُم قد رجع إلى هذا المُوصِي، فأما إن لم يكن ولاؤهم رجع إليه فلا يدخلون في وصية، قال عيسى: قال لي ابن القاسم: إن بَيّنَ من أعتق فخاصة، وإلّا فكلهم موالية.
قال سحنون: قال ابن القاسم وسمعته غَيْرَ عَامّ وهو يقول: يدخلون معهم.
قال ابن القاسم: وذلك رَأْيي إلّا أن يسَتدل على أنه إنما أراد من أعتق خاصة.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ تفسير لقول مالك، بدليل مَا لَهُ في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس، وقال مطرف وابنُ الماجشون: إن كان يُحاط بموإليه الذين أعتق ولا يدخل معهم غيرُهُم، وإن كثروا حتى لا يحاط بهم دخل معهم موالي الموالي وأبناؤهم وكل من رجع إليه وَلَاؤُهم من قبل أبيه وجده وأخته؛ لأنه رمى به مَرْمَى الولاء إلا أن يقول عتاقتي، وقد مضى هناك القول على هذه المسألة مستوفى فأغنى ذلك عن إعادته وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى بثلثه لثلاثة نفر ثم قال لفلان عشرين ولفلان عشرة وسكت:

وسئل: عمن أوصى بثلثه لثلاثة نفر، ثم قال: لفلان عشرين ولفلان عشرة وسكت عن الثالث إِن للذي سكت عنه ثلث الثلث، ويعطي الذين أوصى لهم بالقسمة صاحب العشرة عشرة وصاحب العشرين عشرين، ثم يُنظر ما بقي من جميع الثلث فيقسم على ثلث الثلث وعلى العشرين والعشرة بالحصص.
قال محمد بن رشد: قوله: ثم لفلان عشرين ولفلان عشرة معناه قال ذلك على سبيل التفسير لما أوصى به لفلان عشرين ولفلان عشرة، فقال: إنه يكون للذي سكت عنه ثلث الثلث أقل أو أكثر، ويكون من الباقي لصاحب العشرة عشرة ولصاحب العشرين عشرين، فما بقي من الثلث قسم على ثلث الثلث وعلى العشرين والعشرة بالحصص، وذلك يرجع إلى أن يقتسموا جميع الثلث قل أو كثر على هذه التجزية يضرب فيه المسكوت عنه بثلث الثلث وصاحب العشرة بعشرة وصاحب العشرين بعشرين، فإن كان الثلث في التمثيل تسعين ضرب فيه المسكوت عنه بثلاثين وصاحب العشرة بعشرة وصاحب العشرين بعشرين فيصير للمسكوت عنه نصف التسعين خمسة وأربعون، ولصاحب العشرة سدس التسعين خمسة عشر، وأصاحب العشرين ثلث التسعين ثلاثون، وإن كان الثلث خمسة وأربعين كان للمسكوت عنه ثلثها خمسة عشر ولصاحب العشرة عشرة ولصاحب العشرين عشرين، وإن كان الثلث ثلاثين تحاص جميعهم فيها المسكوت عنه بعشرة ثلث الثلاثين، وصاحب العشرة بعشرة، وصاحب العشرين بعشرين، فيصير للمسكوت عنه ربع الثلاثين ولصاحب العشرة ربعها، ولصاحب العشرين نصفها، وكذلك على هذا القياس ما كان الثلث قَلَّ أو كثر على ما في سماع أبي زيد؛ لأن قول ابن القاسم فيه تفسير لهذه الرواية، وقد حكاها ابن حبيب على نصها من رواية أصبغ عن ابن القاسم ووصل بها.
قال أصبغ: وكذلك أن قَصُرَ الثلث، فبان بذلك ما ذكرناه من أن رواية ابن أبي زيد مفسرة لهذه الرواية، ولو كان قوله لفلان عشرين ولفلان عشرة لحمل ذلك على أنها وصية أخرى، ولوجب أن يضرب كل واحد منهما في الثلث مع المسكوت عنه بالأكثر مما سمى له أو من الثلث على ما قاله ابن القاسم في رسم استأذن من سماع عيسى في الرجل يوصي بثلاثة أعبد لرجلين، ثم يقول بعد ذلك فلان وفلان من أولئك الرقيق لفلان لأحد الرجلين، وفلان للرجل الآخر أنه يضرب كل منهما فيهم بأكثر الوصيتين العبد الذي سمى لأحدهما، أو نصف الثلاثة الأعْبُدِ، أو العَبْدَانِ اللذان سميا للآخر ونصف الثلاثة الَأعْبُدِ، وقد حمل الفضل هذه الرواية على ظاهرها من أن قوله فيها لفلان عشرين ولفلان عشرة كان لِغير الفور، فقال: إنها على خلاف أصل ابن القاسم يريد في مسألة الأعبد التي ذكرناها والأولى أَنْ يُتَأَوَّلَ على ما يخرج فيه عن أصله فيما ذكرناه.
وقال أصبغ في كتاب ابن المواز: يأخذ المسكوت عنه ثُلُثَ الثلث، ويقسم ثلثا الثلث بين المسمى لهما على ثلاثة أجزاء لصاحب العشرة جزء ولصاحب العشرين جزءان، واستحسنه محمد بن المواز، قال: لأنه إنما قسم وصية الرجلين من الثلث، كيف يقسم بينهما وصاحبهما الثالث لم يُزَدْ في وصيته على ثلث الثلث ولا نقص منه.
قال الفضل: وإنَّ تفسير ابن المواز لَحَسَنٌ، وسواء على هذه الرواية كان المال عينا أو عرضا أو بعضه عينا وبعضه عرضا؛ لأنه لم يحمل قوله لفلان عشرين ولفلان عشرة على أنها وصية أخرى لهما بالعشرة والعشرين، ولو حمله على ذلك لقال: إِنَّ كل واحد منهما يحاص بالأكثر من وصيته، وإنما حمله على التفسير لما أوصى بها فَرَآهَا وصية واحدة لكل واحد منهما يحاص فيها المسكوت عنه بثلث الثلث إن ضاق الثلثُ عن وصاياهما أو فضلت منه فضلة بعد أن أخذ المسكوت عنه ثلث الثلث وأخذ صاحب العشرة عشرة، وصاحب العشرين عشرين، ورأيت لأبي صالح وابن لبابة أنهما قالا في هذه الرواية: معناها أن المال كله ناض فإذا كان في المال عرض وناض قسم العرض أثلاثا، وقسم ثلث الناض على المحاصة فحاص الذي سكت عنه بِثُلثِهِ، ويحاص صاحباه بأكثر وصيتهما، وإن كان المال عرضا كله حاص المسكوت عنه في الثلث بثلث الثلث، وحاص صاحباه بثلث الثلث وبالعدة المسماة لكل واحد منهما، فلا يصح أن يكون قولهما مفسرا للرواية، بل هو على خلاف مذهبه فيها حسبما بيناه، وقول أبي صالح هذا على ما لأصبغ في رسم الوصايا الصغير من سماعه من تفسيره لقول ابن القاسم، وسيأتي الكلام على ذلك هنالك إن شاء الله وبه التوفيق.

.مسألة يوصي في أمة له إِن وسعها الثلث أن تعتق فنظر فإذا هي لا تخرج منه:

وسئل مالك: عن الرجل يوصي في أمة له إِن وسعها الثلث أن تعتق فنظر فإذا هي لا تخرج منه، فكيف ترى فيه؟ فقال: أرى إن كان يبقى منه الشيءُ الذي له بال لم أَرَ أن تعتق وإن كان الشيءُ الذي يبقى الشيءَ اليسير لم أر أن يمنع العتق لذلك، وأرى أن تعتق إِن كان الذي خسِر يسيرا.
قال ابن القاسم: وتغرَم هي ذلك اليسير.
قال سحنون: وأرى أن يكون ذلك رِقّا باقيا فيها.
قال محمد بن رشد: ظاهر قول مالك هذا أنها تعتق كلها ولا تغرَم شيئا إِن كان الذي زادت قيمتُها على الثلث الشيءَ اليسير، قال في الكفالة من المدونة مثلُ الدينار والدينارين، ولا تغرَم هي ذلك اليسير، خلاف مذهب ابن القاسم أنها تغرمه.
قال في المدونة: فإِن لم يكن عندها اتبعت به دينا تؤديه إلى الورثة، وخلاف قول سحنون: إن ذلك يكون رِقّا باقيا فيها ولابن كنانة في المجموعة مثلُ قول سحنون إنه إن زادت قيمتُها على الثلث الشيء اليسير كان ذلك اليسير رقا باقيا فيها، وإن زادت قيمتُها على الثلث الشيء الكثير لم يعتق منها شيء، وله في المدنِيَة أنه إن كان حملها الثلث إلا الشيء اليسير منها مثل السدس من ثمنها أو نحو ذلك فما يُرَى أنه لا يضر الورثة لقلته ويسير خطبه عتقت كلها، وإن كان حمل منها اليسير لم يعتق منها شيء كما وقع له في المجموعة.
قال محمد بن رشد: وإنما قال مالك: إِنها تعتق كلها ولا تتبع بشيء إذا كانت قيمتها أكثر من الثلث بالشيء اليسير الدينار والدنانير؛ لأن هذا القدر مما لا يتَحقَّقُ زيادة لاسيما في الأمة الرفيعة؛ لأنها إنما تقوم بالاجتهاد، وقد يختلف البصر أبِالقيمة في تقويمها في مثل هذا القدر وشبهه، وإنما قال ابن القاسم: إن الجارية تُقَدِّمُ ذلك الشيء اليسير إِن كان لها مال مراعاة لقول من قال: إِنها إن لم يحملها الثلث بمالها تقوم بما حمل منها ويكون بقيته للسيد مضافا إلى ماله، وهو قول ربيعة والليث بن سعد ويحيى بن سعيد وابن وهب في رسم الثمرة من سماع عيسى من كتاب المدير، وقال: إنها تتبع به دينا إن لم يكن لها مال مراعاة لقول من يقول بالِإسْتِسْعَاءِ في العبد بين الشريكين يعتق أحدُهما حظّه منه ولا مال له، وقول سحنون: إِنَّ ذلك يكون رِقّا باقيا فيها بعيدٌ؛ لأن الموصِي إنما أوصى بعتقها إِنْ حملها الثلث، ومثل قوله في المجموعة لابن كنانة خلاف ما له في المدنِيَة.
ويتحصل في المسألة على ظاهر الروايات إن زادت قيمةُ الأمة على الثلث الشيءَ اليسير ثلاثةُ أقوال؛ أحدها: أنها تعتق ولا تتبع بشيء، وهو قول مالك.
والثاني: أنها تعتق وتتبع بما زادت قيمتها على الثلث وهو قول ابن القاسم.
والثالث: أن ذلك يكون رقا باقيا فيها وهو قولُ سحنون وأحد قولي ابن كنانة، الذي أقول به وينبغي أن تكون الروايات عليه إِن كانت الزيادة اليسيرة متيقَّنة لا يمكن اختلاف البصراء فيها ففيها ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن تتبع بذلك دينا إن لم يكن لها، مال ويؤخذ من مالها إذا كان لها مال، وهو قول ابن القاسم.
والثاني: أنها يبقى ذلك رِقا فيها وهو قول سحنون.
والثالث: أنها تعتق قول ابن كنانة في المدينة وأنه إن كانت الزيادة اليسيرة كالدينار والدنانير في قيمة الأمة في الثلاثة والخمسين فلا بشيء كما قال مالك، ولا خلاف فإن زادت قيمتها على الثلث الكثير، قليل ولا كثير وله في المدونة أنه يعتق منها ما حمله الثلث وإن كان يسيرا ويرق الباقي، وإن كان حمل الثلثُ أكثرَها ولم يبق إلَّا اليسير منها الذي لا يضر بالورثة مثل السدس من ثمنها أو نحو ذلك أعتقت كلها، وهو بعيد جدا، فقول مالك في هذه المسألة أصح الأقوال وَأَوْلَاهَا بالصواب وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى بثلث ماله للفقراء من فخده فإن لم يكن فيهم ففي الذين يلونهم:

ومن كتاب أوله شك في طوافه:
وسئل مالك: عن رجل أوصى بثلث ماله للفقراء من فخده، فإن لم يكن فيهم ففي الذين يلونهم.
قال مالك: أرى أن يبدأ بالذين قال يُعطي فقراؤهم بقدر ولا يُعطي أغنياؤهم شيئا، وإن فضِل فضلٌ أُعطي مسكنةُ الأقْصَيْن.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إِنه يخص بذلك الفقراءُ من فخده دون الأغنياء، ويُعْطَوْن منه بقدر على سبيل الاجتهاد، ويؤثر في ذلك الأقرب على الأبعد والأجوحُ على من هو دونه في الحاجة، ويجعل الفضل فيمن بعدهم، والفَخِدُ أعم من العصبة وأخص من البَطْنِ والقبيلة، والبطنُ والقبيلةُ أخص من العشيرة. وبالله التوفيق.

.مسألة وصيتها تنفذ وإن لم تمت من حملها إذا كتبت بذلك كتابا:

وسئل مالك: عن امرأة أوصت إن حدث بها حدَثُ الموت من حملها هذا فافعلوا كذا وكذا، ثم إِنها وضعت وأقامت سنين، ثم هلكت؟ قال مالك: أكتبت بذلك كتابا؟ قال: نعم وفي وصيتها قَبْلَ أن تغيرها، قال: هي جائزة وينفذُ ما فيها.
قال محمد بن رشد: قولُه: إِن وصيتها تنفذ وإن لم تمت من حملها إذا كتبت بذلك كتابا، هو مثلُ أحد قوليه في رسم سلعة سماها، ولو كانت قد وضعت الكتابَ بيد غيرها لجاز قولا واحدا، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من السماع فلا معنى لِإعادته، واحْكُمْ في المسألة لقوله فيها قبل أن تغيرها؛ لَأنَّ ذلك حق لها قالته أو سكتت عنه.

.مسألة الوصية التي يوصي بها الناس ويتشهدون فيها قبل أن يوصوا:

ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة:
قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سئل مالك عن الوصية التي يوصي بها الناس ويتشهدون فيها قبل أن يوصوا، قال: ذلك يعجبني وأراه حسنا، ومَا زالَ ذلك من شأن الناس، والذي أدركتهم عليه يكتبون التشهد قبل أن يوصوا، قال مالك في أثر الوصية في التشهد حين قال هو الذي أدركت عليه الناس.
قال أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: ما أدركت عليه الناس بهذه البلدة يعني المدينة، فلا شك فيه أنه الحق، وروى أشهبُ في كتاب الوصية الذي فيه الحج والزكاة في التشهد مثلَ هذا وزاد قال، فقيل له: فإن رجلا عندنا كتب وصيته وكتب فيها أُؤمِنُ بالقَدَرِ خيرِه وشرِّه حُلْوِه ومُره، قال: لا والله لا أراه أَفَلَا كتبتَ والصُّفْرِية والَأبَاضِية، ليس هذا بشيء، وقد كتب من مضى وصاياهم فلم يكتب أحد منهم هذا في وصيته.
قال محمد بن رشد: هذا كله بيّن على ما قاله؛ لأنَ الرشد في الاتباع ويكره في الأمة كلها الابتداع فلن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مِمَّا كان عليه أولها والمدينة دارُ الهجرة وبها توفي النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، والصحابةُ خير الأمة الذين اختارهم الله لصحبة نبيه وتبليغ دينه وإقامة شرعه بها مُتَوَافِرُونَ، فما عملوا فيه ودرجوا عليه هو الهدى الذي لا ينبغي العدول عنه وبالله التوفيق.

.مسألة يوصِي بالرقبة أترى أن يشتري أبوه فيعتق عنه:

وسئل: عن الرجل يُوصِي بالرقبة أترى أن يُشْتَرَي أبوه فيعتق عنه؟.
قال: إن كان تطوعا فإني أرى ذلك، وإن كان ظهارا أو ما أشبهه مما هو عليه فغيرُه أَحَبُّ إلي منه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إِن ذلك جائز في التطوع بل هو المختار المستحب؛ لِأنه أعظمُ في الأجر من عتق الأجنبي، لما في ذلك من صلة القرابة، وقد روي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أنه قال: «لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلا أَنْ يَجدَهُ مَمْلُوكا فَيَشْتَرِيهِ فَيُعْتِقُهُ» أي فيكون حرا بنفس شرائه إياه، لا أنه يستحِدثُ له عتقا بعد مِلْكِه إياه، إذْ لا يستقر له عليه ملك إِلَّا أنه يصير بشرائه إياه في حكم المملوك المعتق في وجوب الولاء له.
وأما قولهُ: إن كان ظهارا أو مما أشبهه مما هو عليه فغيرُه أحب إلي منه فتجاوزٌ في اللفظ ليس على ظاهره في استحاب عتق سِوَاهُ بل هو الواجب، إذ لا يُجْزِئ عنه في الظهار، والوصي ضامن إن فعل ذلك.
وأما إن لم يعلم الوصي إنْ كان العتق الذي أوصى به تطوعا أو واجبا فلا ينبغي أن يَعتِقَ عنه من يعتق عليه من أب أو أخ ولا يصح له ملكه مخافة أن تكون وصيته بعتق واجب عليه، فإن فعل لم يلزمه ضمان وبالله التوفيق.

.مسألة الوارث إذا زاد مما ورثه فكأنه قد أجاز للميت الوصية بأكثر من ثلث ماله:

وسئل: عن رجل أوصى بمائة درهم في عتق رقبة من غلة حائط له منذ خمس وثلاثين، وكان قبل عتق الرقبة وصايا قدمت قبله، وكان في ذلك الزَّمان الرقبة توجد بمائة درهم، وهي اليوم لا توجد بذلك، فقال له الوصي: أفترى أن أزيد من عندي في ثمنها؟ فإِن نفسي بذلك طيبة، قال: لا يعجبني ذلك، فقيل له: فبعض من ورثه أو من أقاربه أو ممن أوصى له إن أحب أن يزيد في ذلك؟ فقال: ما أرى به بأسا، فقال له الرجل: أفترى أن يشتري له بأرض الروم رقبة؟ فإني أجدها بهذا الثمن إِلَّا أنها أعجمية؟ قال: ليس هذا الذي أراد الرجل ولا يعجبني ذلك، قيل له: أَفَيُعِينُ بهذا في عتق رقبة يتم بها عتقها؟. قال: ويكون غيره الذي يعتقها؟ قال: نعم، قال: لا خير فيه، فقيل له: أفنشتري نحن آخر رقبة بمائتي درهم فيعتقها عنهما؟. قال: لو أني أعلم أنك لا تجد لرأيت ذلك، فقال فإن لم أجد أفترى لي ذلك؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: لم يُجِز للموصى إذا لم يحمل الثلثُ ثمنَ الرقبة أن يزيد فيها من عنده، وأجاز ذلك لبعض من ورث الميت أو أوصى له بوصية، والمعنى في ذلك أن الزيادة إن كانتَ من مال الميت الموصى جاز ذلك، وإن كانت من غير أصل مَاله لم يجز ذلك، فقولُه: أو من أقاربه معناه من أقاربه الذين يرثونه؛ لأن الوارث إذا زاد مما ورثه فكأنه قد أجاز للميت الوصية بأكثر من ثلث ماله، وكذلك الموصَى له إِن زاد من الوصية التي أوصى له بها الميت فكأنه قد ترك ذلك له ولم يجز للوصي إذا لم يحمل الثلث ما يشتري به رقبة في أرض الإِسلام أن يشتريها من أرض الروم؛ لأن ذلك خلاف ما أراد الموصِي كما قال، ولم يجز له أن يُعِينَ بذلك في رقبة يكون ولاؤها لغير الموصى فقال: لا خير في ذلك، ومعناه إذا كان في ذلك ما يشارك به في عتق رقبة فلا بأس أن يُعِينَ بها مكاتبا في آخر كتابته، وكذلك قال في الوصايا الأول من المدونة: إنه إن لم يكن في ذلك ما يشتري به رقبة شورك به في رقبة، فإن لم يجدوا إلَاّ أن يعينوا بها مكاتبا في آخر كتابَتِه فعلوا، قال: وهذا قول مالك فهو يحمل على التفسير لقوله في هذه الرواية وبالله التوفيق.

.مسألة الوصي يريد بيع متاع الرجل مساومة:

وسئل: عن الوصي يريد بَيْعَ متاع الرجل مساومة ويرى أن ذلك خير له مثل ما يسومه الرجل بالدار وما أشبهه فَيُتَمِّنُه ويرى أن بيعه غِبْطَة، قال: لا بأس بذلك مساومة، أو فيمن يريد إذا كان ذلك منه على وجه النظر.
قال محمد بن رشد: معناه في الوصي على الثلث إذا باع بإذن الورثة أو على الصغار إذا باع بإذن الكِبَار أو في الوصي على الصغار إن لم يكن لأحد معهم في ذلك شرك، وأمّا إذا كان وصيا على الصغار وهم شركاء مع الكبار فباع الجميعَ بغير إذنهم فلا يجوز ذلك عليهم، وكذلك إذا كان وصيا على الثلث فباع بغير إذن الورثة، وسيأتي الكلامُ على ذلك في رسم سلف دينارا من سماع عيسى بعد هذا إن شاء الله، وبه التوفيق.

.مسألة أوصى بخمسمائة درهم في رقبة بخمسمائة بشرط أن يعتق ثمن سبعمائة:

وسئل: عن رجل أوصى بخمسمائة درهم في رقبة بخمسمائة بشرط أن يعتق ثمن سبعمائة، وإن اشترى بخمسمائة بغير شرط لم يجد مثلَها أفيشتريها بشرط أو يشتري دونها بغير شرط؟ قال: بل يشتري بغير شرط يعني غيرها وإن كانت دونها.
قال محمد بن رشد: أما إذا كانت الرقبة واجبة فلا يجوز أن يشتريها بشرط، فإن فعل ضمن؛ لأن الرقبة الواجِبَةَ لا يجوز شراؤها بشرط العتق، وأما إن كانت الرقبة تطوعا فيكره له أن يفعل ذلك، فإن فعل لم يضمن وبالله التوفيق.

.مسألة هلك زوجها وأوصى إليها بولدها وبما كان له من مال فتزوجت:

ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته:
وسئل مالك: عن امرأة هلك زوجها وأوصى إليها بولدها وبما كان له من مال، فتزوجت المرأةُ وخِيفَ على المال أَتَرَى أن يكشف؟ قال مالك: إن كانت المرأة لا بأس بحالها فلا أرى ذلك، وإن كان يُخَافُ كشف ما قِبَلَها.
قال محمد بن رشد: إنما يكشف ما قبلها إِن كان يخاف على المال عندها ولا يكشف إِن كانت لا بأس بحالها ولم يبين على ما يحمل عليه من جهل حالها، والظاهر من قول مالك في رسم الوصايا من سماع أشهب بعد هذا، أن المرأة إذا تزوجت غُلِبَتْ على جُل أمرها حتى تعمل بما ليس بصواب أنها عنده محمولة على الخوف عليها إذا تزوجت فيكشف ما قبلها، إِلَاّ أن يعلم أنه لا بأس بحالها وينزع الولد منها وإِن لم يقل الميتُ إِن تزوجت فانزعوهم منها إِلا أن يجعلهم في بيت على حدة ويقيم لهم ما يصلحهم من خادمهم ونفقتهم على ما قاله في رسم كتب عليه ذُكر حق بعد هذا، وكذلك لا يعزلون منها إذا عَزَلَتْهم في مكان عندها وأقامت لهم ما يصلحهم من نفقة وخادم وإن كان الميت قد قال: إِن تزوجت فانزعوهم منها، قَاله مالك في كتاب ابن المواز.
قاله محمد؛ لأن الميت لم يقل: إن تزوجت فلا وصية لها وإِنما قال: إِن تزوجت فانزعوهم منها معناه إِنْ لم تَنْزِعْهم عن بيتها وتجعلْهم في بيت على حدة مع من يخدمهم بنفقة تقيمها لهم، ومثلُ ذلك في المدنية لمالك من رواية محمد بن يحيى السبائي عنه، وزاد فإن خشيت عليهم الضيعة فأولياؤهم أحق بهم.
قال ابن المواز. قال ابن القاسم: وأما المال فوجه ما سمعت فيه أَنْ يُنظر إلى حالها فإن رُضِي حالُها وسيرتُها والمال يسير لم يؤخذ منها محمد ولم يكشفه إِن كان المال كثيرا وهي مقلة وخيف من ناحيتها، وأرى أن ينزع المال منها، وقاله أصبغُ وهي على الوصية على كل حال إِلاَّ أن يكون مرره إلا من مر إبقاء المال عندها بعد النكاح في الحرم والدين واليسر والحرز فيقر بيدها، قلت: وإذا خيف على المال عندها فنزع منها ولم تعزل هي عن الوصية فليقدم معها من يكون المال عنده ويشاركها في النظر لهم وبالله التوفيق.